اعرف اكتر عن الفكر الاقتصاد الاوروبي الحديث

اعرف اكتر عن الفكر الاقتصاد الاوروبي الحديث

شكل الفكر الاقتصاد الاوروبي الحديث محطة فاصلة للانتقال من الفكر الاقتصادي التقليدي الى مدارس فكرية تجارية واقتصادية ساهمت في بلورت الفكر الاقتصادي الحديث، بما تضمنته من افكار وطروحات اقتصادية علمية وتطبيقية كان لها أثر كبير في نشأة علم الاقتصاد والاقتصاد السياسي وحققت من خلالهما النمو والتقدم الاقتصادي في اطار ما سمي بالرأسمالية التجارية ثم الصناعية. نتطرق اليها في العناصر الآتية:

المدرسة التجارية (المركانتيلية) les Mercantiliste

ابتداء من القرن السادس عشر تطورت الافكار الاقتصادية وبدأت المسائل الاقتصادية تبتعد عن سيطرة الكنيسة لصالح رجال الدولة والتجار وكبار النافذين من رجال الاعمال.

فتكونت المدرسة التجارية التي اثرت في السياسة الاقتصادية القائمة على تكديس رؤوس الاموال بحكم حاجة الدولة الى بناء الاقتصاد بالاعتماد على توسيع التجارة والبحث عن المعادن والثروات، ما ادى الى ظهور الاستعمار في شكله الاقتصادي والذي تحول فيما بعد الى الاستيطان والسيطرة على الارض والشعب.

وبالرغم من ان الاقتصاد في هذه المرحلة كان له طابع زراعي مع انخفاض المستوى المعيشي للسكان، فان التجارة ظهرت كنشاط اقتصادي استقطب اهتمام المفكرين، باعتبارها نشاط قادر على تحقيق الثراء للدولة. ومن منطلق تحقيق الثروة للدولة، ارتكزت السياسة الاقتصادية التجارية على عدة طرق لتحقيقها،

السياسة المعدنية

انطلاقا من الافكار التي طرحها بعض المؤلفين المركانتيلين، امثال: “أرتيس” و”أوليفارس”، انتهجت بعض الدول في القرن السادس عشر سياسة تجارية ترتكز على احتكار المعادن النفيسة، وجلبها من المستعمرات الى الداخل لبناء تجارة قوية. ولتحقيقها اعتمدت على:

  • وضع خطة للسيطرة على المعادن النفيسة المتواجدة في المستعمرات، وذلك بالبحث عنها في المستعمرات. وعلى سبيل المثال: انتهجت اسبانيا هذه السياسة حيث كانت تجلب الذهب والفضة من مستعمراتها في امريكا اللاتينية والمكسيك. واتخذت من اجل بقائها في الداخل ومنع خروجها، الاجراءات التالية:
  • التحكم في الصادرات والواردات بإجبار التجار على دفع قيمتها ذهبا اوفضة.
  • تطبيق نظام التوازن في العقود، بالاتفاق مع المصدرين الاجانب على عدم اخراج قيمة الصادرات نقدا، بل تتم في شكل سلع محلية بقيمتها.
  • خفض القيمة الاسمية للعملة الاسبانية، والابقاء على قيمتها من الذهب والفضة.
  • جلب العملات الأجنبية ذات القيمة العالية للتحكم في التجارة الخارجية.
  • منع خروج العملة الاسبانية الى الخارج للبقاء على قيمتها.

وقد نجم عن السياسة المعدنية الاسبانية، مايلي:

  • وفرة الذهب والفضة.
  • انعاش السيولة النقدية.
  • ظهور صناعات محلية.
  • ارتفاع الاسعار.
  • توسع التجارة.

غير ان تحكم الدولة في المعادن النفيسة، حال دون نجاح خطتها في الابقاء على استقرار الاسعار ومكافحة تهريب الذهب. ما ادى الى فشل السياسة المعدنية نتيجة فشل الدولة الاسبانية في مواجهة تهريب نقودها الذهبية والفضية الى الدول الاوروبية.

وعليه، فإن المدرسة التجارية وان لم تصل الى ابراز الاقتصاد كعلم قائم بذاته، لارتباطها بتحقيق الأهداف السياسية أكثر من بلورة نظرية اقتصادية، فإنها استطاعت تخليص الاقتصاد القائم من تبعية الكنيسة وتحرير التجارة.

سياسة التصنيع

طبقت هذه السياسة في فرنسا بحيث استفاد الفرنسيون من التجربة الاسبانية وطبقوها بسياسة معدنية تعتمد على اقامة مشاريع صناعية وتصدير السلع الصناعية مقابل الذهب والفضة، وتشجيع المنتجين المحليين ومنحهم الجوائز. ومن المنظرين لهذه السياسة: الفرنسي، “جان بودان”، الذي قدم قانون كمي للنقود في القرن16م، فاصبح قانون “بودان” اساس السياسات النقدية في تلك الفترة. كما حث على تدخل الدولة في التصنيع لتشييد صناعة وطنية ضخمة تمكن الدولة من رفع صادراتها مقابل جلب العملة الذهبية.

ثم تبنى فكرة التصنيع “مونكريتيان” في سنة 1615م، واعتبر الصناعة الوطنية بمثابة الدم للقلب، كما انتقد سياسة تراكم الذهب وبين عقمها وأخطارها على البلد ورأى ان الانتاجية هي الاداة الوحيدة لضمان جمع الثروات وان العمل هو سر السعادة، ودعا طبقة النبلاء للتخلي عن القيم الاجتماعية القديمة ويقبلوا على استصلاح الارض، ولهذا يعتبر او ل من استعمل عبارة “الاقتصاد السياسي”.

ثم جاء” كولبير” وزير المالية الفرنسي في سنة 1661م، ليدعم سياسة التصنيع في بلاده فاتخذ اجراءات ادارية منها: اعفاء الصادرات الوطنية من الرسوم والضرائب ومنح المنتجين مساعدات مالية تشجيع العلوم والفنون باقامة مدارس صناعية ومنح مكافآت للمخترعين.

السياسة التجارية

اعتمدت بريطانيا على سياسة تجارية واسعة تعتمد على زيادة الصادرات والتحكم في الواردات واطلاق المعاملات التجارية من خلال ابرام العقود المرتبطة بالتجارة الخارجية هدفها الحصول على المعادن النفيسة. وهي السياسة التجارية التي تبناه السياسي: “كرومويل” في القرن السابع عشر والذي وضع تشريع خاص بعقود النقل البحري لدعم الاسطول التجاري. فتحول الاقتصاد السياسي في بريطانيا الى أداة سياسية وقانونية لتوجيه التجارة الخارجية وتوسيعها نحو منابع الثروات النفيسة، لاستغلالها وفق الأشكال الاقتصادية التي تخدم الدولة وتوسع نفوذها السياسي والاقتصادي.

سياسة العهد الاستعماري Le Pacte Colonial

تبنت هذه السياسة الدول الكبرى الطامحة الى السيطرة على مستعمرات غنية بالثروات لتوسيع تجارتها وضمان جلب المعادن النفيسة. والعهد في هذه الحالة ليس اتفاقيا ورضائيا بين طرفين، انما هو عهد دائم تلتزم به الدولة المستعمَرة في علاقتها مع الدولة المستَعمِرة والعالم الخارجي وغالبا ما يكون ذلك لغير صالح الدول الاولى.

  • نقد فكرة الموركانتيلية: استمر العمل بالمدرسة التجارية في اوروبا قرابة ثلاثة قرون، خلفت خلالها الايجابيات والسلبيات. ومن الايجابيات انها خلصت الفكر الاقتصادي الاوروبي من هيمنة الكنيسة على العلم، وتعرضت للانتقادات منها:
  • بالغ الفكر الموركانتلي في الاهتمام بالمعادن النفيسة على حساب العمل والانتاج
  • عجز الفكرة عن ايجاد تفسير اقتصادي لارتفاع الاسعار ، والذي كان سببه المباشر هو وجود فائض كبير في الذهب والفضة مع ضعف التصدير
  • الاهتمام بالصناعة على حساب الزراعة ادى الى تدهور الوضعية الاجتماعية للفلاحين.

وبسبب الانتقادات التي عصفت بأنصار الفكر التجاري، ظهرت المدرسة الطبيعية كرد فعل،

المدرسة الفيزيوقراطية (الطبيعية)

انطلقت الفكرة من وجود قوانين طبيعية تحكم الحياة الاقتصادية، تجعل الانسان غير قادر على التدخل فيها بإرادته وانما تتدخل فيها العناية الالهية.

وقد جاءت كرد فعل على الحالة الاقتصادية السيئة الناتجة عن سياسة الثروة والتصنيع على حساب الارض الفلاحية. فجاء الفيزيوقراط للمناداة بضرورة العودة الى الاهتمام بالأرض التي تعتبر المصدر الحقيقي للانتاج وبناء الثروة. ويعتبر كتاب ” الجداول الاقتصادية” للطبيب “كيني” الصادر 1750م، اول من طرح الفكرة الطبيعية للخروج من الازمة الاقتصادية. وترتكز المدرسة الطبيعية على اسس التالية:

النظام الطبيعي:

يقصد به ترك الحرية للافراد في تصرفاتهم دون تدخل الدولة او تدخل القوانين في مصالحهم الاقتصادية، منها: احترام الملكية الفردية واختيار المهن والعمل بكل حرية.

الارض مصدر الثروة

وهي دعوة للرجوع الى خدمة الارض باعتبارها مصدر كل انتاج وثروة. لان الارض تمنح الفلاح اكثر كلما كان العمل ورأس المال.

وجود علاقات اقتصادية قائمة بين طبقات المجتمع

بمعنى وجود علاقات مالية واقتصادية قائمة في اوساط المجتمع ضرورية لسد الحاجات. وهذه العلاقات تسري فيما بينها وتتشابك فتقوم الاعمال وتتكون الثروة. وكل طبقة تخدم الاخرى، كالدم الذي يسير في جسم الانسان. وما يميز المدرسة الطبيعية انها دعت الى حرية النشاط الاقتصادي وعدم تدخل الدولة، عكس التجاريين الذين جعلوا تدخل الدولة في الاقتصاد امر ضروري لبناء اقتصاد قوي. ومن هذه الفكرة ساهمت المدرسة الطبيعية كثيرا في جعل الاقتصاد السياسي علما مستقلا له كيانه بين العلوم الاخرى.

بقلم د. محمد مصطفى زرباني. ( استاذ محاضر في القانون ), من محاضرات مقياس الاقتصاد السياسي.

مواضيع مهمة

اترك تعليقاً