تاريخ تونس: تاريخ من الحضارات والثقافات

تاريخ تونس: تاريخ من الحضارات والثقافات

يعود تاريخ تونس إلى العصر الحجري القديم، حيث تم العثور على آثار بشرية تعود إلى ذلك العصر في العديد من المواقع الأثرية في البلاد.

تونس ما قبل التاريخ

عرفت تونس تاريخا يعود لعهود سحيقة إذ يعود ظهور الإنسان في المنطقة التي تعرف اليوم بتونس إلى فترة ما قبل التاريخ، حيث تم العثور على آثار نشاط إنساني يعود إلى العصر الحجري القديم السفلي وذلك تحديدا في موقع القطار (بمدينة قفصة) والذي اكتشف فيه عالم الآثار جراي كوما من الحجارة مخروطي الشكل يعتقد أنه تعبير عن معتقد ما ويُرَجّحُ أنّه من أقدم المعالم الدينية التي عرفتها البشرية.

تُعدّ الحضارة القبصية (6.800 ق.م. إلى 4.500 ق.م.) أول مظاهر المجتمعات الإنسانية المنظمة بالمنطقة. وفي هذه الفترة وفد البربر الأمازيغ كما يبدو مع هجرة الشعوب الليبية (تعبير اغريقي عن الشعوب الأفريقية آنذاك) وإن كان لا يعرف أصل الشعوب الأمازيغية بالتحديد ويعتبرهم كثيرون السكان الأصليين للبلاد.

الفترة القرطاجية

الفترة القرطاجية من تاريخ تونس (814 ق.م. – 146 ق.م.)

أقام السكان الموجودون بالبلاد التونسية علاقات تجارية مع الفينيقيين منذ القرن 11 ق.م. حيث قام هؤلاء بإنشاء مرافئ لتبادل البضائع تعتمد في أغلب الأحيان على المقايضة. وتعتبر أوتيكا من أهم هذه الموانئ وكان تأسيس عليسة لقرطاج كقاعدة عسكرية لحماية الموانئ التجارية على الساحل الغربي للبحر الأبيض المتوسط. وعلى إثر الإضرابات التي نشبت في فينيقيا قامت مجموعة من التجّار بالفرار إلى —-قرطاج (قرط جدشت) المدينة الجديدة والاستقرار فيها

بمرور الزمن ضعفت الإمبراطورية التجارية الفينيقية وورثت قرطاج أمجادها ومستعمراتها وقامت بتوسيع رقعتها لتشمل جزءا كبيرا من سواحل البحر الأبيض المتوسط، ونظرا لموقعها الإستراتيجي والمُطل على حوضي المتوسط، استطاعت بسط نفوذها والسيطرة على حركة التجارة بشكل لم يكن لينال رضاء القوة العظمى آن ذلك. حيث شكل التوسع القرطاجي خطرا على مصالح ونفوذ الإغريقيين مما أدى إلى اشتباكات عسكرية بين الدولتين.

الفترة الرومانية

الفترة الرومانية من تاريخ تونس (146 ق.م – 431 م)

سنة 44 ق.م قرر الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر إعادة بناء مدينة قرطاج بعد أن كانت أوتيكا العاصمة ولكن أعمال البناء لم تبدأ رسميا إلا مع خلفه أوغيست وبذلك بدأت فترة ازدهار في المنطقة حيث أصبحت أفريقية مخزن حبوب روما.

ازدهرت مدن رومانية أخرى بالتزامن مع أرض قرطاج ومازالت الآثار شاهدة على بعض منها مثل دقة بولاية باجة والجم بولاية المهدية.هناك مدينة بلاريجيا وشمتو بجندوبة.

أدى نمو قرطاج السريع إلى تبوئها مكانة ثاني مدينة في الغرب بعد روما إذ ناهز عدد سكانها مائة ألف نسمة. وبدأ انتشار المسيحية في تلك الفترة والذي لاقى في البداية معارضة كبيرة من السكان ولم يحسم الأمر للدين الجديد إلا مع القرن الخامس وأصبحت قرطاج إحدى العواصم الروحية الهامة للغرب آنذاك.

التنافس الروماني القرطاجي حول الحوض الغربي للمتوسط أدى بهما إلى التصادم عسكريا في حروب ثلاثة عرفت بالحروب البونية بين قرطاج وروما اندلعت الأولى سنة 264ق م إلى 241م ق والتي سميت بحرب صقلية أما الثانية والتي سميت بحرب حنبعل فامتدت بين 219 و 201 قم لينتهي هذا الصراع بتخريب قرطاج وإحراقها خلال الحرب الثالثة 149-146 قم. بعد ذلك تعددت محاولات إعادة إعمار قرطاج لكنها فشلت لأسباب مختلفة أهمها محاولة كايوس قراكوس ومحاولة يوليوس قيصر لكن اغتياله حال دون إتمام مشروعه. 27ق م يقرر أقتاوينوس ابن يوليوس قيصر بالتبني ومؤسس النظام الإمبراطوري إعادة بناء قرطاج (أقتاوينوس الملقب بأوغسطوس أول الأباطرة الرومان). بعد إتمام البناء أصبحت قرطاج عاصمة للولاية الرومانية الجديدة التي سميت إفريقيا البرونصلية والتي امتدت على كامل البلاد التونسية الحالية وجزء من شرقي الجزائر. إزدهرت المنطقة خلال العهد الروماني على جميع الأصعدة، من ذلك عمرانيا فالمجال التونسي احتوى خلال العهد الروماني على أكثر من 200 مدينة بكل معالمها الررومانية المعروفة ومن هذ ه المدن نذكر إضافة إلى قرطاج هدرومتوم (سوسة) نيابوليس (نابل) توقا (دقة) مكتريس (مكثر) سيكا فينيريا (الكاف) أوينا (أوذنة) تيسدروس (الجم) وغيرها من المدن التي أنشات أو أعيد تهيئتها على النمط الروماني لتوطين الجيوش وعائلاتهم والمهاجرين الإطاليين. تميزت من بين هذه المدن قرطاج باعتبارها عاصمة الولاية وثالث مدينة في العالم الروماني بعد روما والقسطنطينية من حيث الحجم وعدد السكان فهي تمسح 315 هكتار وتعد حوالي مليون ساكن في أواخر القرن الثاني الميلادي. تعددت وظائف المدينة في إفريقيا البروقنصلية على غرار المدن الرومانية من سياسية وسكنية واحتوت جملة من العالم المتصلة بهذه الوظائف من فوروم (الساحة العمومية) والكابيتوليم (معبد الديانة الرسمية للدولة الرومانية) وحمامات ومسارح نصف دائرية ودائرية كمسرح مدينة تيسدروس. كما تميزت المنطقة عن سائر الولايات الرومانية بازدهار فن الفسيفساء الذي تأثر في إفريقيا البروقنصلية بالمدرسة الإسكندرية (أي اعتماد المكعبات متعددة الألوان) فقد إتتشرت اللوحات الفسيفسائية في كامل مدن الولاية بل تنافس الأثرياء فيما بينهم في تزيين بلاطات منازلهم باللوحات الفسيفسائية وتنوعت المواضيع التي جسدتها هذه اللوحات، إذ نجد اليوم بالمتاحف التونسية لوحات تمثل مشاهد صيد، واخرى بها مشاهد مصارعة كذلك نجد لوحات تبرز مشاهد عن الحياة اليومية، مشاهد عن الزراعة والأعمال الفلاحية، لوحات تبرز المعتقدات والآلهة….المجال الثاني الذي ميز الولاة الروملنية هو الفلاحة إذ سمت تونس خلال العهد الروماني (مطمور روما) وذلك لأهمية إنتاجها الفلاحي وخاصة إنتاج الحبوب وزيت الزيتون فخلال القرن الثالث الميلادي اغتنمت الولاية فرصة تدهور الاقتصاد الإيطالي لإحياء غراسة الأشجار المثمرة بعد أن قضي عليها إثر إحراق قرطاج سنة 146 ق م وبفضل التقاليد الفلاحية المكتسبة منذ العهد القرطاجي وأيضا بفضل تعدد التشريعات والقوانين المشجعة على العمل في الفلاحة أضحت الولاية توفر كامل حاجيات روما الغذائية بمفردها وقدرت صادرات قرطاج من الحبوب إلى روما حسب المصادر الرومانية بحوالي 1.2 مليون قنطار هذا إضافة إلى بقية المنتوجات الأخرى كالزيوت والخمور. أيضا في مجال الفكر كان للولاية إسهاماتها في إثراء الحضارة الرومانية فروائع أبولوس لا تزال تثري إلى اليوم الأدب الغربي، وأبولوس من أصل إفريقي. كطلك في هذا الإطار نذكر القديس أوغسطينوس الذي عاش بين 350 و430 ميلادي والذي وضع فلسفة مسيحية أثرت في الفكر المسيحي الغربي حتى أزمنتنا الحديثة. في مجال السياسة والحكم كان لولاية إفريقيا البروقتصلية أيضا كلمتها فالعائلة السيفيرية التي حكم أبناؤها الإمبراطورية هي من أصل إفريقي وأشهر أبنائها الإمبرطور سيبتيموس سوريوس أو سيبتيم سيفار الذي حكم بين 193 و211 م.

الفترة الوندالية

الفترة الوندالية من تاريخ تونس (431 م – 533 م)

(431 – 533) عبر الوندال مضيق جبل طارق في 429 م وسيطروا سريعا على مدينة قرطاج حيث اتخذوها عاصمة لهم. وكانوا أتباع الفرقة الأريانية والتي اعتبرتها الكنيسة الكاثوليكية آنذاك فرقة من الهراطقة كما اعتبرهم السكان برابرة وأدى ذلك إلى حملة قمع سياسي وديني واسعة ضد المعارضين.

بدأت مناوشات بين الوندال والممالك البربرية المتاخمة للدولة وكانت انهزام الوندال سنة 530 م الحدث الذي شجع بيزنطة على القدوم لطرد الوندال.

ينطوي تاريخ تونس على سجل حافل من الحقب التاريخية المهمة والفترات الزمنية الثرية بالأحداث مما يجعل هذه الأحقاب جديرة بالدراسة والبحث والتنقيب قصد استجلاء تفاصيلها وسبر أغوارها وتتبع حركات الاندفاع والإشراق فيها. ومن بين هذه الفترات التاريخية فترة المملكة الوندالية بأرض تونس من 439 إلى 533 للميلاد، والونداليون (فرع من الجرمانيين) هم ورثة الامبراطورية الرومانية، تركوا إسبانيا وغزوا إفريقيا الشمالية عبر البحر المتوسط تحت قيادة ملكهم جنسريق، وكان ذلك تحت ضغط القوط الغربيين. وستحظى فترة الونداليين بمعرض خاص تنظمه وزارة الثقافة والمحافظة على التراث بالتعاون مع المعهد الوطني للتراث ومتحف “كالشرو” الألماني تحت عنوان “ورثة الامبراطورية الرومانية المملكة الوندالية” الذي سيفتتح يوم 24 أكتوبر 2009 في ألمانيا. ويتواصل العرض على امتداد أربعة أشهر وهو يشتمل على قطع أثرية هامة تؤرخ للفترتين الوندالية والبيزنطية تم انتقاؤها بكل عناية من مختلف المتاحف التونسية.

وقد سبق أن عرض متحف “كالشرو” الألماني مثل هذه التظاهرات الثقافية التي تعرف بثراء تاريخ تونس لعل اهمها معرض حنبعل وقرطاج وكان ذلك سنة 2005 والذي لاقى نجاحا باهرا بلغ صداه جميع البلدان الأوروبية.

الفترة البيزنطية

الفترة البيزنطية من تاريخ تونس ( 533 م –  )

سيطر البيزنطييون بسهولة على قرطاج سنة 533 م ثم انتصر الجيش البيزنطي والذي على الخيل الوندالية والتي كانت أقوى تشكيل في جيش الوندال. واستسلم آخر ملك وندالي سنة 534 م.

هجر أغلب الشعب الوندالي قسرا إلى الشرق أين أصبحوا عبيدا بينما جند الباقون في الجيش أو كعمال في مزارع القمح.

سرعان ما عاد الحكام الجدد إلى سياسة القمع والاضطهاد الديني كما أثقلوا كاهل الناس بالضرائب مما حدى بهم إلى الحنين إلى سيطرة الوندال على مساوئهم.

الفتح الإسلامي

الفتح الإسلامي من تاريخ تونس ( 647م  –  )

استقر الإسلام في المنطقة بعد ثلاث فتوحات متتالية عرفت مقاومة كبيرة من الأمازيغ بينما لم تُعَرّب شعوب المنطقة إلا بعد ذلك بقرون طويلة.

كانت أولى الفتوحات سنة 647م وعرفت بفتح العبادلة لأن قادتها يحملون اسم عبد الله وقد كان اسم المعركة الآخر هو معركة سبيطلة حيث دخلوا المدينة وقتلوا حاكمها جرجيريورس أو كما كانوا يسمونه جرجير وأسروا ابنته.

وقعت الحملة الثانية سنة 661م وانتهت بالسيطرة على مدينة بنزرت. أما الحملة الثالثة والحاسمة فكانت بقيادة عقبة بن نافع سنة 670م وتم فيها تأسيس مدينة القيروان والتي أصبحت فيما بعد القاعدة الأمامية للحملات اللاحقة في إفريقية والأندلس. إلا أن مقتل عقبة بن نافع سنة 683م على يد كسيلة أفقد العرب السيطرة وقتيا على القيروان واضطر العرب إلى حملة رابعة ونهائية بقيادة حسان بن النعمان سنة 693م أكدت سيطرة المسلمين على إفريقية رغم مقاومة شرسة من الأمازيغ بقيادة الكاهنة ديهيا. وتمت السيطرة على قرطاج سنة 695م ورغم بعض الانتصارات للأمازيغ واسترجاع البيزنطيين لقرطاج سنة 696م فإن المسلمين سيطروا بصفة نهائية على المدينة في 698م وقُتلت الكاهنة ديهيا في السنة نفسها.

لم تسترجع قرطاج هيبتها بعد ذلك وتم استبدالها بعد ذلك بميناء تونس القريب والذي كان مركز انطلاق للغزوات في البحر باتجاه صقلية وجنوب إيطاليا.

بعد ذلك اتجه المسلمون إلى القرى البريك ونشروا الإسلام في صفوف الأمازيغ الذين أصبحوا من ذلك الحين رأس الحربة في الفتوحات اللاحقة وخاصة في الأندلس بقيادة طارق بن زياد. تابع مقال عن تاريخ الفتح الإسلامي لتونس.

روابط مهمه عن تونس

اترك تعليقاً