نبذه عن المدرسة الكلاسيكية والفكر الاشتراكي فى الاقتصاد
نبذه عن المدرسة الكلاسيكية(القرن19) The Classical School والفكر الاشتراكي
عرف المجتمع الاوروبي تطورات كبيرة في الفكر الاقتصادي منذ القرون الوسطى الى العصر الحديث، تراكمت خلالها الافكار الاقتصادية وتطبيقاتها الايجابية والسلبية، أدت الى انتاج ثورة صناعية هائلة غيرت الانماط المعيشية السائدة ودفعت بها نحو التقدم والازدهار الاقتصادي الذي أدى الى تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي. جاءت هذه الافكار بعد ان حقق النشاط الاقتصادي حرية كبيرة ساهمت في تطور الفكر الرأسمالي الجديد، خاصة في ظل تطبيق مبدأ عدم تدخل الدولة تحت مفهوم الدولة الحارسة. فأدت الى المزيد من الافكار الاقتصادية والسياسية والفلسفية الداعية الى حل المشكلات الاقتصادية وتقديس الحريات وتمجيد الفرد واحترام الملكية الفردية.
في هذا الخضم ظهرت المدرسة التقليدية التي نظر لها ” ادم سميث” « Adam Smith »، عندما انتقد كثيرا مذهب التجاريين، واعتبر قياس ثروة الأمم بقوة العمل والانتاج وليس بما تملكه من معادن نفيسة. كما انتقد مذهب الطبيعيين في كتابه “ثروة الأمم”، الذي ألفه في عام 1776م.
وظهر في انكليترا: “ديفيد ريكاردو” الذي من اعماله: ” اسس الاقتصاد السياسي والضرائب” عالج من خلاله مشاكل اقتصادية في عصره اهمها: التضخم، انخفاض قيمة العملة الورقية، وارتفاع اسعار الذهب ومشكلة توزيع الدخل والتجارة الخارجية.
وتزامن مع “ريكاردو”، القس “روبيرت مالتوس” الذي اهتم بدراسة مشكلة السكان وطرح كتاب بعنوان: “بحث في مبدا السكان”، قدم من خلاله نظرته التشاؤمية لزيادة عدد السكان مقارنة مع زيادة الموارد الاقتصادية ما يؤدي الى المجاعات والحروب
اما “جون ستيوارت ميل” المتأثر بالفلسفة والاقتصاد فقد اخذ بالفكر الطبيعي والافكار الاشتراكية الفرنسية الاولى لسان سيمون واسس لفكرة فلسفية ليبرالية تقوم على مبادئ الاقتصاد السياسي الذي يرتكز على الانتاج والتوزيع والتبادل.
وبالرغم من تعدد آرائهم الاقتصادية الا انهم صنفوا ضمن المدرسة التقليدية.
محتويات المقال
المدرسة الحديثة فى الاقتصاد
تعرضت الافكار الاقتصادية الى الكثير من النقد، خاصة في القرن التاسع عشر الميلادي ظهر خلالها مفكرون اقتصاديون تبنوا مبدا اصلاح المدرسة الكلاسيكية وتحديثها، على راسهم “جون مانيارد كينز”، الذي تأثر بأفكار والده الذي يعتبر عالم اقتصاد وواضع كتاب: “افق ومنهجية الاقتصاد السياسي”، تبنى فيه افكار المدرسة الكلاسيكية وفي نفس الوقت نادى بقيام المدرسة الكلاسيكية الحديثة. فسار الابن على نهج والده وأسس علم الاقتصاد الحديث، بعد اصدار كتابه: “النظرية العامة للاقتصاد”، عام 1936م، الذي اعتبر تطورا هاما في الاقتصاد الحديث. ثم من خلال بحوثه في اصلاح المنظومة النقدية وتولى عدة مناصب في بلده بريطانيا، منها: مستشار الحكومة البريطانية للشؤون الاقتصادية، اثناء الحرب العالمية الثانية، كما ساهم في وضع مشاريع عالمية في استقرار سعر الصرف، منها: مشروع « White »، الامريكي الذي قدم كورقة عمل لفعاليات مؤتمر “بريتون وودز” لسنة 1944م، والتي من نتائجه صياغة اتفاقيتي: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للتنمية والتعمير.
الاقتصاد السياسي الاشتراكي
تعبر الاشتراكية عن تيار فكري ظهر في القرن التاسع عشر الميلادي في اوروبا، كنقيض للفكر الاقتصادي الرأسمالي حين ظهرت مساوئه على الطبقة الكادحة من العمال والفلاحين. وعليه نتطرق لأهم المبادئ التي تقوم عليها الاشتراكية وابرز المنظرين لها.
الاشتراكية المثالية (سان سيمون- شارل فوريي- جوزيف برودون)
سميت بالاشتراكية الخيالية لانها لم تكن علمية، وابرز فلاسفتها هم: “سان سيمون”Saint-Simon (1760/1825) و”شارل فوريي” Charles Fourier (1772/1837)، نشأت في واقع راسمالي قوي تحكمه البرجوازية بعد الثورة الفرنسية والتي قضت على الاقطاع لكنها حولت الراسمالية الى متحكمة في العمل الذي يشترط فيه استغلال العمال، فنشأت اقطاعيات جديدة باسم المال. فجاءت الاشتراكية الخيالية لنقد الوضع الذي هو في نظر الاقتصاد البرجوازي امر طبيعي لانه يضمن النمو الصناعي. لهذا لاحظ “سان سيمون” ان الانتاج ينمو في الراسمالية بشكل مستبد ينتج الام للكادحين.
اما ” شارل فوريي”، فقد درس ازمات الراسمالية وحارب المضاربة التي تحمل خراب الاقتصاد وشهر بمساوئ الاحتكار والتجارة كما دعى الى المساواة بين الرجل والمراة نظرا لاستغلال البرجوازية للمراة, وتبنى فكرة التعاونية للقضاء على هذه الامراض من خلال اشتراك الملاك في ممتلكاتهم وعملهم وينتظمون في طوائف صغيرة للانتاج تضمن الازدهار المنسجم فيزول الاجر وتفتح مراكز العمل الكبيرة التي تستخرج خيرات الكرة الارضية.
اما “برودون” Proudhon: فهو يعتبر الملكية الفردية مجرد سرقة، لان ارباب العمل يستغلون العمال ويستحوذون على الإنتاج بسبب سيطرتهم على الملكية، التي لا ينكرها ويعتبر التملك من فطرة الانسان، يجب استغلالها دون التصرف فيها فيزول الصراع الطبقي حولها. كما يعتبر الدولة أداة قمع ولابد من حلول عقد اجتماعي إداري محلها لتنظيم دواليب الإنتاج والعلاقات بين الأفراد والطوائف والتعاونيات.
الاشتراكية العلمية الماركسية
قامت الاشتراكية العلمية او الماركسية، باعتبارها نزعة مادية جدلية وتاريخية واشتراكية علمية، قامت على اساس التناقضات الموضوعية للمجتمع الراسمالي حاولت الاجابة على المشاكل التي اثارها تطور المجتمعات. ومن ابرز المنظرين للاشتراكية العلمية، ” كارل ماركس”، الذي انشا مذهبه كامتداد مباشر لمذاهب سبقته لأشهر ممثلي فلسفة الاقتصاد السياسي والاشتراكية. وهي ثلاث مصادر اساسية تتمثل في:
الفلسفة الالمانية:
بزعامة “هيجل” القائمة على التطور الجدلي غير انه بناها على نزعة مثالية، فحولها ماركس الى نزعة التاريخية المادية.
الاقتصاد السياسي الانكليزي:
ظهرت انجلترا في مطلع القرن التاسع عشر، كأكبر بلد متقدم اقتصاديا ازدهر خلالها الاقتصاد السياسي باعتباره علم القوانين التي تسيطر على الانتاج وتبادل الوسائل المادية للمعيشة في المجتمع الانساني[50]. مهد له الاقتصاديان الانكليزيان “ادم سميث” و” دافيد ريكاردو” في بناء نظرية القيمة والعمل لكنهما اخفقا في التدليل على ان قيمة كل سلعة تتحدد بمقدار زمن العمل الضروري لانتاجها فاضاف لها ماركس قيمة العمل الاجتماعي.
لهذا انطلق “ماركس” ومن فكرة تحويل ملكية وسائل الانتاج التي يسيطر عليها الافراد الاثرياء في الرأسمالية الى طبقة “البروليتاريا” (من العمال الكادحين) وعبر عنه بضرورة الصراع الاجتماعي والسياسي بينهما ووصول العمال الى السلطة للتحكم في وسائل الانتاج. ومن ابرز مؤلفاته في الاقتصاد السياسي، كتابه الشهير الذي ألفه عام 1859م، تحت عنوان: “نقد الاقتصاد السياسي”، الذي درس فيه اسلوب الانتاج الرأسمالي وعلاقات الانتاج والتبادل في ظل هذا النظام، متخذا من انجلترا ابرز مثال عن الانتاج التقليدي منبها القارئ الالماني من الحالة المزرية للعمال الانكليز ويقول له بان ” هذه القصة هي قصتك انت..”.
ويضيف ماركس ايضا:” ان المنفعة العامة للطبقات الحاكمة الحالية سوف تفرض عليها ان تستبعد جميع العقبات القانونية التي يمكن ان تعرقل نمو الطبقة العاملة. وابتغاء هذه الغاية، خصصت في هذا الجزء مكانا مهما جدا لتاريخ التشريع الانكليزي الموضوع للمعامل الكبرى، ومضمونه، ونتائجه. وتستطيع أمة من الأمم، بل يجب عليها ان تستمد إرشادا من تاريخ امة أخرى، وحتى حين يكون مجتمع معين قد اكتشف خطر سير القانون الطبيعي الذي يدير حركته،- والغاية النهائية لكتابي هذا انما هي الكشف عن القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الحديث. فهذا المجتمع لا يستطيع ان يتخطى بقفزة، ولا ان يلغي بقرارات، مراحل تطوره الطبيعي: ولكنه يستطيع اختصار مدة حمله، وتخفيف آلام وضعه.
وعليه، فان النظرة الماركسية للاقتصاد السياسي تخضع لتطور العلاقات الاقتصادية في اطار منطق او قانون جدلي قائم على مجموعة من المبادئ منها:
- الصراع الطبقي بين اصحاب الثروة من الرأسماليين وطبقة العمال الكادحين، الامر الذي يؤدي حتما الى الثورة لصالح العمال.
- التركيز على العمل الذي يؤدي الى الانتاج كمحرك اساس للمجتمع
- الاقتصاد والعلاقات الانتاجية اساس الظاهرة الاجتماعية
- الانطلاق من التاريخ لتفسير الصراع الطبقي الذي محوره الارض او الملكية
- رفض التفسير الديني للاشياء باعتباره وسيلة لخدمة الراسمالية
- نسبية الاخلاق والعبرة بالانتاج.
وقد نتج عن هذه الافكار، نظريات اقتصادية، هي:
- نظرية القيمة وفائض القيمة.
- نظرية تراكم رأس المال.
- نظرية الصراع الطبقي المؤدي الى فناء الرأسمالية.
نقد الفكر الاشتراكي
بالرغم من بعض الايجابيات التي نتجت عن الافكار الاشتراكية والماركسية، من خلال تقديم مفهوما جديدا للنظريات الاجتماعية. وادت الى الصراع بين طبقة العمال وارباب العمل فقد تعرضت الى انتقادات، نذكر منها:
- الماركسية قدمت تحليلا خاطئ للصراع الطبقي، الذي ينشأ في الرأسمالية ذاتها. فنجد ان الاشتراكية تحققت في دول اقطاعية، دون المرور الى الرأسمالية –الثورة البلشفية 1917م
- الاعتماد على تحليل الظواهر الاجتماعية على العوامل المادية في ظل وجود عوامل اخرى، ما ادى الى خطأ في نظرية القيمة وفائض القيمة.
بقلم د. محمد مصطفى زرباني. ( استاذ محاضر في القانون ), من محاضرات مقياس الاقتصاد السياسي.
مواضيع مهمة
- مقياس الاقتصاد السياسي تعريفة ومفاهيمه.
- مفاهيمي علم الاقتصاد والاقتصاد السياسي.
- علاقة الاقتصاد السياسي بالعلوم الاخرى.
- اعرف اكتر عن تطور الأفكار والنظم الاقتصادية.
- اعرف اكتر عن الفكر الاقتصاد الاوروبي الحديث.
- المدرسة الكلاسيكية والفكر الاشتراكي فى الاقتصاد.
- نبذه عن الاقتصاد السياسي المعاصر واهم مؤسساته المالية.
- نبذة عن الاقتصاد السياسي الإسلامي وخصائصة.