اعرف اكتر عن تطور الأفكار والنظم الاقتصادية

اعرف اكتر عن تطور الأفكار والنظم الاقتصادية

تطور الافكار والنظم الاقتصادية: اعتقد خبراء الاقتصاد، انه يوجد فرق بين الاقتصاد السياسي والفكر الاقتصادي، لأن الأول أداة فكرية ترتكز على دراسة ظواهر اقتصادية قائمة للوصول الى الحلول. بينما الثاني هو تراث الفكري المتراكم تحول الى الماضي.

لكن دراسة الاقتصاد السياسي يمكنها الارتكاز على الافكار الاقتصادية التي كانت نتيجة تطور الاحداث الاقتصادية، وادت الى نمط جديد من التفكير لتطوير اقتصادها السياسي.

عن الفكر والنظم الاقتصادية

فالفكر الاقتصادي ساهم كثيرا في ايجاد فكرة واضحة عن النشاط الاقتصادي والافكار التي بلورت هذا النشاط وساهمت في دفعها.

ومن هنا برزت المشكلة الاقتصادية التي تعرف في علم الاقتصاد بظاهرة الندرة التي ترتكز على حقيقتين اساسيتين وهما:

  • ان حاجات الانسان متعددة وغير محدودة
  • ان الموارد والاموال المتيسرة والقادرة على اشباع الحاجات محدودة نسبيا

لهذا يرى الاقتصاديون ان الندرة ليست بالضرورة مرتبطة بما تجود به الطبيعة فقط، بل قد يتسبب في حدوثها الانسان ايضا بالتنافس الشديد على الاحتياجات. وبترابط هذين الحقيقتين تنشا الظواهر الاقتصادية المتمثلة في الانتاج والتوزيع والنقود والاثمان والمبادلات التجارية وقيام المشروعات، تطلب الامر فهمها وتحديد علاقاتها والعوامل المؤثرة فيها برسم سياسة لتذليل الصعوبات وتوفير الحاجات، فنشأ التحليل الاقتصادي والسياسة الاقتصادية التي قام برسم معالمها الفكر الاقتصادي.

هذه الأفكار التي كانت وليدة ظروف ومشكلات اقتصادية معينة في الزمان والمكان، هي ذاتها التي طرحت الحلول والتفسيرات الضرورية لكل مرحلة. واستفاد منها الفكر الاقتصادي ككل. ومن هنا تأكدت أهمية تاريخ الفكر الاقتصادي باعتباره احدى فروع علم الاقتصاد السياسي الذي ظهر في القرن 18م، وأصبح احدى مرتكزاته الفكرية.

وعليه فان الفكر الاقتصادي لم يكن وليد الأفكار الحديثة فقط كما اعتقد البعض، بل هو امتداد لأفكار اقتصادية طرحت في عصور مختلفة توارثتها الأجيال وطورتها الى أفكار جديدة أنشأت أنماط اقتصادية متقدمة.

الفكر الاقتصادي العربي الإسلامي

نتأسف كثيرا عندما نجد دراسات اقتصادية تستثني الفكر الاقتصادي العربي الاسلامي، واذا وجدت فهي تقتصر على اعطاء لمحة قصيرة لا تفي بالغرض العلمي.

ولعل سبب ذلك يعود بالدرجة الاولى الى:

  • النزعة الذاتية للمفكرين الاوروبيين عند تأسيسهم لعلم الاقتصاد متأثرين بالفلسفة اليونانية والاقتصاد الروماني القديم، دون ذكر للفلاسفة العرب امثال ابن خلدون والمقريزي، بالرغم من دراستهم لأفكارهم وتأثرهم بها.
  • ان الاقتصاديين العرب من المعاصرين الاوائل تأثروا كثيرا في دراساتهم بالمدارس والافكار الاقتصادية الاوروبية، دون بذل الجهد للتعرف على الفكر الاقتصادي عند المسلمين، والاكثر من ذلك ان بعضهم من ينكر وجود هذا الاقتصاد.

ومع ذلك نجد في الآونة الأخيرة من ركز على الفكر الاقتصادي العربي الاسلامي، وخصص له حيزا من البحث، خاصة في مجال العلوم الاسلامية التي اهتمت بدراسة الاقتصاد الاسلامي والبنوك الاسلامية. ولدراسة الاقتصاد السياسي في الفكر الاسلامي خصصنا محور مستقل لاحقا.

الاقتصاد السياسي في الفكر الأوروبي

يرتكز الفكر الاقتصادي الاوربي في مرجعته الاولى على فلاسفة اليونان، امثال: “أرسطو” و”افلاطون”.. ثم الاقتصاد الروماني. وفي منتصف القرن الثامن عشر الميلادي بدأت تظهر المدارس الاقتصادية الاوروبية.

وعليه، نلقي اطلالة على الخلفية التاريخية للفكر الاقتصادي الاوروبي.

الاقتصاد الروماني القديم

اهتم الرومان بالاقتصاد كسياسة متبعة للتحكم في الثروات وانشاء مناطق اقتصادية لتوسيع التجارة ما ادى الى انخفاض قيمة اراضي وبوارها في ايطاليا في القرن الثالث يحدث نمو اقتصادي ذاتي ما ادى الى فقدان ايطاليا لقدرتها التسويقية. اما التجارة فكانت تخضع لسياسة السلام الامبراطوري التي فرضها “أوغسطس” « Pax Augusta »، على كل العالم المتمدن « Oikumene ».

الاقتصاد الاوربي في القرون الوسطى

سميت القرون الوسطى في اوروبا لأنها عصور تميزت بالركود والتخلف الفكري، تبدأ من أوخر العهد الروماني الى سقوط القسطنطينية في يد المسلمين العثمانيين. فكان عصرا تميز بظهور نظام الاقطاع الذي ارتبط بنشوء الفرسان كمحاربين في منتصف القرن الثامن فكانت تقتطع لهم الارض ليتجهزوا بها، فيصبح المحارب مستقلا اقتصاديا ويؤمن احتياجاته كفارس بالجياد والاسلحة. فعهدت الحماية من المقطع « Vasall »، الى العبد « Gewas » في خدمة السيد الذي منحه الارض، وهو تقليد له صلة بنظام التبعية الجرماني القائم على الاخلاص والخدمة الذي يشكل الأساس القانوني للإقطاع الذي بموجبه يلتزم المقطع بواجبات شخصية، وينتهي الاقطاع بموت السيد او المقطع لأن التبعية والمكسب شخصيان. لكنه ينتقل وراثيا. وفي مرسوم “كيرزي” لسنة 877م، تأكيد على ان اقطاع الأب يمنح مجددا للورثة الظاهرين. ثم توسع الاقطاع الى الكبار الحاصلين على مناصب كالدوقية والكونتية.

وكان تنظيم هذا الاقتصاد يتم ضمن اطار مغلق لا يخرج عن محيط القلعة التي يتحكم فيها السيد الذي أخذ حيازة الأرض الاقطاعية، والتي كانت مقسمة الى:

مناطق مخصصة او محجوزة للسيد وأراضي مؤقتة يستعملها فلاحون اقنان تابعين للأرض، بحيث لا يجوز لهم مغادرتها او تركها، لأن التقاليد المطبقة تجعل مهنتهم كأقنان وراثية. ومع ذلك فهم يدفعون الاتاوات العينية، والقيام بالأعمال المنزلية في الاقطاعية، والفلاحة والسهر على مصالح السيد التي تنتج المواد التي يحتاجها السكان مثل: القيام بأعمال النسيج، النجارة.. الخ.

وكان للكنيسة دور هام في نظام الاقطاع باعتبارها تمثل السلطة الدينية وكانت تحتكر التعليم وتشرف على المدرسين الذين يعلمون علوم الفلسفة والقانون واللاهوت، فكانت العلوم مرتبطة بالكنيسة ولا تخرج عن طاعتها، ومنها الفكر الاقتصادي الذي حرم القرض بفائدة، وممن انتهج ذلك “سان توماس”، الذي كانت افكاره تطبيقا لمبادئ الدين المسيحي في نطاق الاقتصاد.

بقلم د. محمد مصطفى زرباني. ( استاذ محاضر في القانون ), من محاضرات مقياس الاقتصاد السياسي.

مواضيع مهمة

اترك تعليقاً